انفا بريس

الرحالة والاعلامي المصري رزق المدني : يكتب وني بيكم يا لمغاربة

أنفابريس / العيون

رحلة إلى العيون…حيث تسقط الأقنعة وتُولد الحقيقة
قالوا إنّ المدينة لا تنام إلا على كوابيس الخوف، وإن الانفصاليين يتربصون بها كما تتربص الذئاب بفريستها      وقالوا أيضًا إن أهلها يعيشون تحت وطأة الأزمات، لا          أمان لهم ولا استقرار.

لكن شيئًا ما في داخلي رفض هذا الخطاب المكرور. فقررت أن أرتحل جنوبًا… لا بحثًا عن حدث، بل بحثًا عن الحقيقة.

من طانطان إلى العيون… البداية كانت شكًا ما إن أُسدل   الستار على موسم طانطان،حتى حزمت حقيبتي المتواضعة، وانطلقت نحو العيون.حجزت غرفة في فندق وسط المدينة، كي أكون قريبًا مما قيل إنه “لبّ العاصفة”.ورغم تعب السفر،    لم أنتظر طويلًا؛ وضعت حقيبتي، ونزلت إلى الشارع، أبحث بعين الصحفي وفضول المواطن عن أي مشهد يؤكد صدق ما رُوّج النتيجة؟ لا شيء.

ساعات طوال بين الأزقة، وعدت ليلًا بخفّي حنين. لا أزمة،        لا ذعر، ولا ما يُشبهه.يوميات في مدينة الأمان
في فجر اليوم التالي، صليت في مسجد قريب، ثم أفطرت    في مطعم شعبي، قبل أن أحتسي فنجان قهوة في مقهى بسيط. عدت بعدها إلى الفندق، بدّلت ملابسي، وعدت أتنقل بين أحياء المدينة.

يوماً بعد يوم، وأنا أتنقل بحرية مطلقة وأمان تام، من الميناء إلى كورنيش فم الواد، من المطار إلى الأسواق، من الأبنية الحكومية إلى “مرجان”. كنت أصور، أدوّن، أتحادث مع السكان، أستمع لحكاياتهم، وألتقط معهم صورًا لا تحمل سوى الودّ والابتسام.العيون لم تكن مدينة خائفة، بل تنبض بالحياة، بالتسامح، بالتحدي الهادئ.كأس أتاي… ولحظة تأمل
في الليلة الأخيرة، جلست في مقهى على أطراف المدينة.

جاءني شاب هادئ الملامح. طلبت “براد أتاي” صحراوي، فابتسم وصب الكأس الأولى.ومع أول رشفة، حلّقت بخيالي بعيدًا، كأنّي فوق طائرة درون تتنقل بين الرمال والماء، بين الأطلال والمستقبل، بين رعاة يبحثون عن الغيث وإبل ترعى على تخوم الزمن.قطع صوت النادل شرودي:
“آش رأيك في الأتاي؟”

ابتسمت ورفعت له الكأس تحيةً، وعدت إلى غرفتي.
سؤال اللحظة: لماذا الكذب؟تساءلت: ما الذي يدفع البعض.   إلى تلويث الحقائق، وترويج خطاب الأزمات في مدينة تنبض بالسكينة؟

الجواب جاءني ساخرًا: إنه العجز. عجز عن مواجهة الحقيقة الساطعة… العيون ليست مدينة خارجة عن الزمن، بل حاضرة في صميمه. تتلألأ في قلب الصحراء كما تتلألأ العواصم في أعالي البلدان الغنية.

الشعب الذي لا يهزم يبقى السؤال الأكبر:

كيف كسب المغاربة رهان التحدي؟
الجواب في كتب التاريخ الأمم التي تتسلح بمبايعة سلاطينها  وتكتب حضورها بدماء أبطالها، لا تنهار أمام العواصف.            بل تستكمل نهضتها، متسلّحة بذاكرة ملوكها، ووعي شعوبها، وإيمانها بأن وحدة التراب مقدّسة، وأن الخيمة الملكية ظلّها لا يغيب. هكذا انتصرت العيون وهكذا يكتب المغاربة فصلهم الصحراوي… بأمان، بكرامة، وبشاي صحراوي لا يُنسى.
تحياتي الرحالة

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى