
بين الحكمة والعنف: أي أمن نريد في زمن جيل زد؟ أمن البرنوصي وأمن مراكش نموذجاً
أنفابريس // عبد الرحمان بوعبدلي
في خضم التحركات الاحتجاجية التي تشهدها مدن مغربية عديدة بقيادة شباب “جيل زد”، برز تباين واضح في أساليب تعاطي الأجهزة الأمنية مع هذه التعبيرات، مما يعكس اختلافًا في فهم دور المؤسسة الأمنية في مغرب اليوم.
ففي الوقت الذي اختار فيه مسؤولو الأمن بمنطقة البرنوصي بالدار البيضاء نهجًا يجمع بين الصرامة القانونية والتواصل الإنساني، شهدت مدينة مراكش مشهداً نقيضاً أثار الكثير من الجدل والاستياء، بعد تدخل عنيف ضد محتجين شباب وسط ساحة سياحية عالمية شهيرة.
في أحد أحياء البرنوصي، نجح المراقب العام علي الفتح في التعامل مع وقفة احتجاجية كادت تنزلق نحو التصعيد. فبدلاً من تفريق المحتجين بالقوة، اختار الرجل تغيير وجهة الاحتجاج، في خطوة وصفت بالحكيمة، حملت في طياتها رسالة سياسية واجتماعية واضحة أن الاحتجاج حق دستوري، وأن الأمن لا يُختزل في الردع، بل هو شريك في صون السلم الاجتماعي.
شهادات من سكان الحي تؤكد أن السيد علي الفتح قدّم نموذجًا مختلفًا لرجل الأمن، يجمع بين الصرامة في تطبيق القانون والاحترام التام لكرامة المواطن، ما عزز ثقة السكان في المؤسسة الأمنية، ورسّخ قناعة أن الإصلاح الأمني يبدأ من الميدان، ومن الإنسان قبل العُدة.
مراكش… حين يعود الشارع إلى زمن العصا على النقيض، شهدت مدينة مراكش تدخلاً عنيفًا قاده مسؤول أمني برتبة مراقب عام (أ.م)، خلال احتجاج مماثل قاده شباب من “جيل زد” في إحدى الساحات السياحية الأكثر شهرة.
وبحسب مشاهد موثقة وشهادات متطابقة،لم يكتفِ المسؤول الأمني بتفريق الوقفة،بل عمد إلى تعنيف المحتجين ومنعهم من ترديد شعاراتهم، في مشهد أثار حرجاً أمام أنظار السياح وعدسات الإعلام.
هذا التدخل، الذي تناقض مع الخطاب الرسمي للمديرية العامة للأمن الوطني حول “سياسة الأبواب المفتوحة”، أعاد إلى الأذهان صورًا أمنية نمطية لطالما سعت الإدارة الأمنية إلى تجاوزها، وطرح تساؤلات حول مدى انسجام بعض القيادات الأمنية مع التوجهات الوطنية في مجال الحقوق والحريات.
ما بين حكمة السيد علي الفتح في البرنوصي، التي أعادت الاعتبار لمفهوم “رجل الأمن المواطن”، وسلوكيات في مراكش تُعيد إنتاج خطاب الردع والقمع، تبدو المؤسسة الأمنية اليوم أمام مفترق طرق .
فإما أن يتم تكريس نموذج أمني إنساني حديث، يقوم على الشراكة المجتمعية والثقة المتبادلة، أو أن يتم التراجع إلى ممارسات لم يعد لها مكان في مغرب يتطلع إلى ديمقراطية فعلية، تحترم فيها الحقوق وتُصان فيها الكرامة.
جيل زد، هذا الجيل الرقمي الواعي، لا يُرهب بالهراوة، ولا يُقنع بالمنع، بل يُخاطب بالعقل والاعتراف بوجوده ومطالبه. والرهان اليوم ليس على كسب المعركة في الشارع، بل على بناء علاقة جديدة بين المواطن والدولة، قاعدتها الأساسية: الثقة، وليس الخوف.