مجتمع

أضحية خارج الوقت… شعيرة أُفرغت من معناها باسم الجوع والتظاهر

أنفابريس // عبد الرحمان بوعبدلي

في خطوة استثنائية تعبّر عن حس وطني عالٍ ووعي عميق بتحديات المرحلة، جاء القرار الملكي السامي القاضي بإلغاء شعيرة ذبح الأضحية لهذه السنة، في إطار رؤية استباقية لتخفيف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على الأسر المغربية، والحفاظ على التوازن الفلاحي والبيئي في ظل ظرفية دولية ومحلية معقدة.

غير أن هذا القرار، رغم طابعه العقلاني وروحه التضامنية، كشف مرة أخرى عن سلوك استهلاكي غير ناضج لدى شريحة من المواطنين، الذين أظهروا لهفة غير مبررة، فسارعوا إلى اقتناء الأضاحي وذبحها خارج الإطار الزمني المشروع، في ضرب صارخ لمقاصد الشريعة، وعدم اكتراث بتوجيهات الدولة ولا بحكمة القرار.

حين يعمد البعض إلى ذبح الأضاحي قبل العيد بأيام أو بعده بزمن، تحت ذريعة “الاحتفال” أو “العادة”، فإنهم لا يقيمون شعيرة، بل يفرغونها من معناها التعبدي، ويجعلونها مجرد مناسبة للاستهلاك والافتخار. فالشرع واضح في توقيت الذبح، ومن خالفه فقد قدّم غريزته على طاعته، و”ما كان لله لا يُؤخذ على هوى النفس”.

القرار الملكي لم يأت عبثًا، بل استند إلى معطيات دقيقة،من بينها غلاء أسعار الماشية، تأثر القطيع الوطني بفعل الجفاف، وظروف معيشية ضاغطة على فئات واسعة من الشعب ومع ذلك، أبى البعض إلا أن يجعلوا من قرار الإلغاء دون اعتبار للتبعات الاقتصادية، ولا للرؤية التضامنية التي أرادها جلالة الملك لصالح الجميع.

هذه السلوكات تكشف عن نمط خطير من التدين الانتقائي، الذي لا يرى في الدين سوى ما يوافق الشهوة، ولا يلتزم بتعاليمه إلا بقدر ما تشبع رغباته.هي “خبزيّة” دينية بامتياز،حيث يصبح الإيمان أداة تبرير، وليس التزامًا بقيم الطاعة والانضباط فكيف لعاقل أن يذبح خارج الوقت الشرعي، ويزعم التقوى، وهو يخالف النص والنية معًا؟

اللحظة تقتضي أكثر من أي وقت مضى، وقفة مجتمعية مسؤولة، تستحضر روح الدين لا شكله،وتغلب المصلحة العامة على النزوات الفردية.إن احترام قرار الدولة،خاصة حين يصدر عن أعلى سلطة في البلاد،ليس فقط طاعة سياسية،بل التزام أخلاقي وديني أيضًا، يعكس نضج المجتمع وتماسكه في وقت الأزمات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى